الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة نريدها تقرّب وتجمع وتُوحّد للهروب -ولو إلى حين- من جحيم المتثورجين والمتشعبطين والكذّابين والمنافقين!

نشر في  08 جانفي 2014  (10:14)

كنا أشرنا في العديد من المقالات السابقة على أعمدة أخبار الجمهورية إلى حالة الفوضى والإنفلاتات الأمنية التي تعيشها ملاعبنا، ونبّهنا من خطورة ما قد تؤول إليه الأمور إذا لم نوجد حلولا عاجلة وناجعة للتصدي لكل مظاهر العنف بجميع أشكاله وأنواعه، خاصة أن المؤشرات الأولية جعلتنا نضع أيدينا على قلوبنا لأنها توحي بعواقب وخيمة وغير محمودة العواقب قد تقضي على كل أحلامنا في مشاهدة مباريات نظيفة وأجواء رياضية نقية لا خصام ولا عداء فيها بين اللاعبين والمسيرين والجماهير. ولئن كنا من دعاة اللعب بحضور الجمهور لإعادة الحرارة لمدرجاتنا، وحتى لا تدور المقابلات في أجواء جنائزية كئيبة، فإن الضرورة تقتضي اتخاذ الإحتياطات الضرورية لتجنب مالا تحمد عقباه. فعلاوة على الإجراءات التنظيمية وخاصة تلك المتعلقة بتحديد أعمار المسموح لهم بارتياد الملاعب مثلما هو الحال في تحديد عدد الجماهير المسموح لها بالدخول إعتمادا على طاقة استيعاب الملعب وغير ذلك من الإحتياطات الأمنية والتنظيمية، علاوة على كل ذلك لا بد من اتخاذ إجراءات وسنّ قوانين ردعية استثنائية مادمنا نعيش مرحلة استثنائية ووضعا إستثنائيا بكل المقاييس.. ففي مجال العقوبات - مثلا- لم يعد مقبولا استعمال نفس المقاييس ونفس سلم العقوبات عند اقتحام الجماهير للملاعب أو عند رمي المقذوفات أو عند الإعتداء على طاقم التحكيم أو لاعبي الفريق المنافس، فهذه الأفعال تستوجب الردع الذي قد يتراوح بين حرمان الجمهور المحلي من الحضور إلى غاية نهاية الموسم وصولا إلى خصم النقاط من الفريق الذي أذنبت جماهيره وكانت سببا مباشرا في أحداث عنف. إن اتخاذ مثل هذه القرارات التأديبية الصارمة إضافة إلى إحالة المسيرين واللاعبين الذين يعتدون بالعنف على الحكام ورجال الأمن مباشرة على القضاء وإيقافهم عن كل نشاط رياضي من شأنه أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم وأن يحدّ حتما من مظاهر العنف المستشرية في كرتنا والتي تحولت فيها بعض الملاعب إلى ساحات حروب حقيقية يمكن أن تتطور إلى أشكال أخرى أكثر همجية إذا لم تسارع الأطراف الساهرة على تسيير شؤون الكرة في بلادنا إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بدرء المخاطر التي قد تلحق بأبناء الوطن الواحد بسبب مباراة في كرة القدم أو هفوة تحكيمية أو كرة على العارضة. يجب أن تدرك جماهيرنا أن بطولتنا الفقيرة اليتيمة المريضة لا تستحق الإهتمام المبالغ فيه الذي يخرج عن النص والذي يولّد العنف ويُؤدّي إليه، كما أن اتخاذ مثل هذه التدابير الوقائية والتأديبية يستوجب توفّر حدّ أدنى من الشجاعة وروح المسؤولية والصرامة في التعامل مع كل الوضعيات التي من شأنها أن تهدد سلامة الناس وتشوّه صورة البلاد المشوّهة أصلا بأعمال العنف والإغتيالات والتفجيرات والتهديدات وكل أنواع الإنفلاتات السياسية والإقتصادية والأمنية والأخلاقية وحتى الإعلامية في بعض المناسبات. بصراحة لسنا بحاجة إلى كرة تفرّق ولا تُقرّب، تُهدّم أكثر ولا تبني.. لسنا بحاجة إلى كرة تُكرّس الجهويات وتُخلّف العداوات، تُبعد الناس عن مشاكلهم الحياتية وتُلهيهم عن مشاغلهم اليومية.. ما أحوجنا اليوم إلى التقارب، إلى الوحدة، إلى التكاتف والتآزر والتعاون والتحابب.. ما أحوجنا إلى كل ذلك في زمن سمته الكذب والنفاق وشعاره الغدر والخيانة والخداع، في زمن يسيطر فيه حب الذات والأنانية المفرطة على العلاقات البشرية، زمن يقوم على المنافع والمصالح الشخصية، زمن يأكل فيه القويّ الضعيف وتسقط فيه القيم والمبادئ الإنسانية بطريقة لا تقلّ بشاعة عمّا يحدث في غابات القارة الإفريقية، زمن قد ينقلب فيه القريب قبل البعيد إذا لم تكن لديه منك نفع أو مصلحة، ولمن يشك في وجود مثل هذه الممارسات التي باتت يومية عندنا، عليه أن ينظر حواليه أو يبحث ويسأل عمن كان وزيرا أو مديرا أو إطارا ساميا لم يكن هاتفه يهدأ عن الرّنين من كثرة سؤال «الأصدقاء» و»الأحبّة» عنه ليتبخّر كل هؤلاء بمجرد انتهاء مهامه أو دخوله مرحلة التقاعد.. لمن يشك في ذلك عليه أن ينظر حواليه أو يسأل لاعب كرة كيف كان مبجّلا معزّزا مكرّما أينما حلّ، ليجد نفسه شخصا نكِرةً لا يلتفت إليه أحد بمجرد اعتزاله اللعب أو تعرّضه إلى إصابة أبعدته عن الملاعب. لمن يشك، عليه أن يبحث أو يسأل عن قاض معتزل أو معزول، أو عن إطار بنكي انتهت صلاحياته أو مسؤول أمني انتهت مهمّته أو رجل أعمال دارت عليه الأيام فأصبح مثل غيره من الناس.. إسألوا أمثال هؤُلاء وستتأكّدون أننا في عصر النفاق الإجتماعي بامتياز، وحاوِلوا إلقاء نظرة خاطفة على ممارسات وتصرفات الرّاكبين على حصان الثورة، أومن يصطلح على تسميتهم بالثوار الجدد، وسترون كيف انقلبوا بنسبة 180 درجة وكيف أصبحوا يتقرّبون و«يُلحّسون» للحكّام الجدد بنفس الطريقة والأسلوب اللذين كانا يتقربون به لرموز النظام السابق. إنّ أمثال هؤلاء الإنتهازيين «المستكرشين» المنافقين لا خير فيهم لأنهم مستعدّون لبيع كل شيء والتنازل عن كل شيء، فقط من أجل الوصول إلى غاياتهم الرخيصة الدنيئة ولا يهتمّ بثمن. قد تلاحظون كيف يمكن لمقال عن الرياضة أن يتفرّع إلى مواضيع لها علاقة بالشأن الإجتماعي والسياسي والحياة العامة بالبلاد، وهذا طبيعي طالما أنّنا نعيش مرحلة انتقالية دقيقة وخطيرة تتداخل فيها الرياضة بالسياسة، مرحلة مكّنت عددا كبيرا من التونسيين من تعرية حقائق العديد من الناس الذين نتمنى أن يخيب سعيهم وتفشل مناوراتهم بعدما انكشف أمرهم وسقطت أقنعتهم وظهر خبثهم وحقدهم وحسدهم وانحطاطهم. نغلق القوس ونعود إلى الرياضة التي نرجو ونتمنى - ونحن نستقبل سنة إدارية جديدة- أن تكون وسيلة تُقرّب وتُوحّد وتجمع بين الناس ولا تُفرّق لعلها تكون متنفسا للهروب -ولو إلى حين- من جحيم السياسيين «والمتثورجين» «والمتشعبطين» والكذابين والغشاشين والمنافقين.

بقلم: عادل بوهلال